فصل: سؤال: ما الفائدة في كلمة {مِنْ} في قوله: {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مّنَ الأرض}؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

المعنى أنه غني عن صدقاتكم، ومعنى حميد، أي محمود على ما أنعم بالبيان وفيه وجه آخر، وهو أن قوله: {غَنِىٌّ} كالتهديد على إعطاء الأشياء الرديئة في الصدقات و{حَمِيدٌ} بمعنى حامد أي أنا أحمدكم على ما تفعلونه من الخيرات وهو كقوله: {فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا}. اهـ.

.قال القرطبي:

نبّه سبحانه وتعالى على صفة الغنى، أي لا حاجة به إلى صدقاتكم؛ فمن تقرّب وطلب مثوبةً فليفعل ذلك بما له قَدْرٌ وبَالٌ، فإنما يقدّم لنفسه.
وحَميدٌ معناه محمود في كل حال. اهـ.

.قال أبو حيان:

{واعلموا أن الله غني حميد} أي: غني عن صدقاتكم، وإنما هي أعمالكم ترد عليكم، حميد أي: محمود على كل حال، إذ هو مستحق للحمد.
وقال الحسن: يستحمد إلى خلقه، أي: يعطيهم نعمًا يستدعي بها حمدهم.
وقيل: مستحق للحمد على ما تعبدكم به. اهـ.

.قال السمرقندي:

ويقال: حميد بمعنى محمود ويقال: حميد من أهل أن يحمد ويقال: حميد يقبل القليل، ويعطي الجزيل. اهـ.

.قال ابن كثير:

{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}.
أي: وإن أمركم بالصدقات وبالطيب منها فهو غني عنها، وما ذاك إلا ليساوي الغني الفقير، كقوله: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج: 37] وهو غني عن جميع خلقه، وجميع خلقه فقراء إليه، وهو واسع الفضل لا ينفد ما لديه، فمن تصدق بصدقة من كسب طيب، فليَعلمْ أن الله غني واسع العطاء، كريم جواد، سيجزيه بها ويضاعفها له أضعافًا كثيرة من يقرض غَيْرَ عديم ولا ظلوم، وهو الحميد، أي: المحمود في جميع أفعاله وأقواله وشرعه وقدره، لا إله إلا هو، ولا رب سواه. اهـ.

.قال أبو السعود:

{واعلموا أَنَّ الله غَنِيٌّ} عن إنفاقكم وإنما يأمرُكم به لمنفعتكم. وفي الأمر بأن يعلموا ذلك مع ظهور علمِهم به توبيخٌ لهم على ما يصنعون من إعطاء الخبيث وإيذانٌ بأن ذلك من آثار الجهلِ بشأنه تعالى فإن إعطاءَ مثلِه إنما يكون عادةً عند اعتقادِ المعطي أن الآخذَ محتاجٌ إلى ما يعطيه بل مضطرٌ إليه {حَمِيدٌ} مستحِقٌّ للحمد على نعمه العِظام وقيل: حامد بقبول الجيّد والإثابة عليه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {واعلموا أن الله غني حميد} تذييل، أي غني عن صدقاتكم التي لا تنفع الفقراء، أو التي فيها استساغة الحرام.
حميد، أي شاكر لمن تصدّق صدقة طيّبة.
وافتتحه باعلموا للاهتمام بالخبر كما تقدم عند قوله تعالى: {واتقوا الله واعلوا أنكم ملاقوه} [البقرة: 223]، أو نُزِّل المخاطبون الذين نُهوا عن الإنفاق من الخبيث منزلة من لا يعلم أن الله غني فأعطوا لوجههِ ما يقبله المحتاج بكل حال ولم يعلموا أنّه يحمد من يعطي لوجهه من طيّب الكسب.
والغني الذي لا يحتاج إلى ما تكثر حاجة غالب الناس إليه، ولِلَّهِ الغنى المطلق فلا يعطى لأجله ولامتثال أمره إلاّ خير ما يعطيه أحد للغَنِي عن المال.
والحميد من أمثلة المبالغة، أي شديد الحَمد؛ لأنه يثني على فاعلي الخيرات.
ويجوز أن يكون المراد أنّه محمود، فيكون حَميد بمعنى مفعول، أي فتخلَّقُوا بذلك لأنّ صفات الله تعالى كمالات، فكونوا أغنياء القلوب عن الشحّ محمودين على صدقاتكم، ولا تعطوا صدقات تؤذن بالشحّ ولا تشكرون عليها. اهـ.

.سؤال: ما الفائدة في كلمة {مِنْ} في قوله: {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مّنَ الأرض}؟

وجوابه: تقدير الآية: أنفقوا من طيبات ما كسبتم، وأنفقوا من طيبات ما أخرجنا لكم من الأرض، إلا أن ذكر الطيبات لما حصل مرة واحدة حذف في المرة الثانية لدلالة المرة الأولى عليه. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ}.
لينظرْ كلُّ واحدٍ ما الذي ينفقه لأجل نفسه، وما الذي يخرجه بأمر ربه. والذي يخرج عليك من ديوانك: فما كان لحظِّك فنفائس ملكك، وما كان لربك فخصائص مالك الذي لله فاللُّقْمَةُ لُقْمَتُه، والذي لأجلك فأكثرها قيمة وأكملها نعمة.
ثم أبصر كيف يستر عليك بل كيف يقبله منك بل أبصر كيف يعوضك عليه، بل أبصر كيف يقلبه منك، بل أبصر كيف يمدحك بل أبصر كيف ينسبه إليك؛ الكلُّ منه فضلًا لكنه ينسبه إليك فعلًا، ثم يُولِي عليك عطاءه ويسمي العطاء جزاءً، يوسعك بتوفيقه بِرًّا، ثم يملأ العَالَم منك شكرًا. اهـ.

.قال في روح البيان:

اعلم أن المتصدق كالزارع والزارع إذا كان له اعتقاد بحصول الثمرة يبالغ في الزراعة وجودة البذر لتحققه أن جودة البذر مؤثرة في جودة الثمرة وكثرتها فكذلك المتصدق إذا ازداد إيمانه بالله والبعث والثواب والعقاب يزيد في الصدقة وجودتها لتحققه أن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما والعبد كما أعطى الله أحب ما عنده فإن الله يجازيه بأحب ما عنده كما قال تعالى: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} ودلت الآية على جواز الكسب وأن أحسن وجوه التعيش هو التجارة والزراعة.
فعلى العاقل أن يواظب على الأذكار في الليل والنهار ويتصدق على الفقراء والمساكين بخلوص النية واليقين في كل حين.
وجلس الإسكندر يوما مجلسا عاما فلم يسأل فيه حاجة فقال والله ما أعد هذا اليوم من ملكى قيل ولم أيها الملك؟ قال لأنه لا توجد لذة الملك إلا بإسعاف الراغبين وإغاثة الملهوفين ومكافأة المحسنين. اهـ.
والدنيا مانعة عن الوصول فعليك بالإيثار وكمال الافتقار. اهـ. بتصرف يسير.

.قال ابن العربي:

فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَائِدَةٌ؛ وَهِيَ مَعْرِفَةُ مَعْنَى الْخَبِيثِ، فَإِنَّ جَمَاعَةً قَالُوا: إنَّ الْخَبِيثَ هُوَ الْحَرَامُ، وَزَلَّ فِيهِ صَاحِبُ الْعَيْنِ فَقَالَ: الْخَبِيثُ كُلُّ شَيْءٍ فَاسِدٍ، وَأَخَذَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ تَسْمِيَةِ الرَّجِيعِ خَبِيثًا.
وَقَالَ يَعْقُوبُ: الْخَبِيثُ: الْحَرَامُ، وَهَذَا تَفْسِيرٌ مِنْهُ لِلُّغَةِ بِالشَّرْعِ، وَهُوَ جَهْلٌ عَظِيمٌ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْخَبِيثَ يَنْطَلِقُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ».
الثَّانِي: مَا تُنْكِرُهُ النَّفْسُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}. اهـ.

.قال القرطبي:

دلّت الآية على أن المكاسب فيها طيب وخبيث.
وروى النسائي عن أبى أُمامة ابن سهل بن حنيف في الآية التي قال الله تعالى فيها: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الخبيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ} قال: هو الجُعْرُور وَلَوْن حُبَيْق؛ فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤخذا في الصدقة.
وروى الدّارَقُطْنِيّ عن أبي أُمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة فجاء رجل من هذا السُّحَّل بكبائس قال سفيان: يعني الشِّيص فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن جَاء بهذا»؟! وكان لا يجئ أحد بشيء إلاَّ نُسب إلى الذي جاء به.
فنزلت: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الخبيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ}.
قال: «ونَهَى النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الجُعْرُور وَلَوْن الحُبَيق أن يؤخذا في الصدقة». قال الزهريّ: لونين من تمر المدينة وأخرجه الترمذيّ من حديث البراء وصححه. اهـ.

.قال ابن القيم:

قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون}.
أضاف سبحانه الكسب إليهم وإن كان هو الخالق لأفعالهم لأنه فعلهم القائم بهم وأسند الإخراج إليه لأنه ليس فعلا لهم ولا هو مقدور لهم فأضاف مقدورهم إليهم وأضاف مفعوله الذي لا قدرة لهم عليه إليه ففي ضمنه الرد على من سوى بين النوعين وسلب قدرة العبد وفعله وتأثيره عنها بالكلية وخص سبحانه هذين النوعين وهما الخارج من الأرض والحاصل بكسب التجارة دون غيرهما من المواشي إما بحسب الواقع فإنهما كانا أغلب أموال القوم إذ ذاك فإن المهاجرين كانوا أصحاب تجارة وكسب والأنصار كانوا أصحاب حرث وزرع فخص هذين النوعين بالذكر لحاجتهم إلى بيان حكمهما وعموم وجودهما.
وإما لأنهما أصول الأموال وما عداهما فعنهما يكون ومنهما ينشأ فإن الكسب تدخل فيه التجارات كلها على اختلاف أصنافها وأنواعها من الملابس والمطاعم والرقيق والحيوانات والآلات والأمتعة وسائر ما تتعلق به التجارة والخارج من الأرض يتناول حبها وثمارها وركازها ومعدنها وهذان هما أصول الأموال وأغلبها على أهل الأرض فكان ذكرهما أهم.
ثم قال: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} فنهى سبحانه عن قصد إخراج الرديء للفقير ونهيه سبحانه عن قصد ذلك وتيممه فيه ما يشبه العذر لمن فعل ذلك لا عن قصد وتيمم بل عن اتفاق إذا كان هو الحاضر إذ ذاك أو كان ماله من جنسه فإن هذا لم يتيمم الخبيث بل تيمم إخراج بعض ما من الله عليه.
وموقع قوله: {منه تنفقون} موقع الحال أي لا تقصدوه منفقين منه.
ثم قال: {ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه} أي لو كنتم أنتم المستحقين له وبذل لكم لم تأخذوه في حقوقكم إلا بأن تتسامحوا في أخذه وتترخصوا فيه من قولهم أغمض فلان عن بعض حقه ويقال للبائع أغمض أي لا تستقص كأنك لا تبصر وحقيقته من إغماض الجفن فكأن الرائي لكراهته له لا يملأ عينه منه بل يغمض من بصره ويغمض عنه بعض نظره بغضا ومنه قول الشاعر:
لم يفتنا بالوتر قوم وللضيـ ** ـم رجال يرضون بالإغماض

وفيه معنيان:
أحدهما كيف تبذلون لله وتهدون له مالا ترضون ببذله لكم ولا يرضى أحدكم من صاحبه أن يهديه له والله أحق من يخير له خيار الأشياء وأنفسها.
والثاني كيف تجعلون له ما تكرهونه لأنفسكم وهو سبحانه طيب لا يقبل إلا طيبا ثم ختم الآيتين بصفتين يقتضيهما سياقهما فقال: {واعلموا أن الله غني حميد} فغناه وحمده يأبى قبول الرديء فإن قبل الرديء الخبيث إما أن يقبله لحاجته إليه.
وإما أن نفسه لا تأباه لعدم كمالها وشرفها وأما الغني عنه الشريف القدر الكامل الأوصاف فإنه لا يقبله. اهـ.
فهكذا العبد إذا عمل بطاعة الله ثم أتبعها بما يبطلها ويفرقها من معاصي الله كانت كالإعصار ذي النار المحرق للجنة التي غرسها بطاعته وعمله الصالح ولولا أن هذه المواضع أهم مما كلامنا بصدده من ذكر مجرد الطبقات لم نذكرها ولكنها من أهم المهم والله المستعان الموفق لمرضاته فلو تصور العامل بمعصية الله بعد طاعته هذا المعنى حق تصوره وتأمله كما ينبغي لما سولت له نفسه والله إحراق أعماله الصالحة وإضاعتها ولكن لابد أن يغيب عنه علمه عند المعصية ولهذا استحق اسم الجهل فكل من عصى الله فهو جاهل. اهـ.